مستقبل المؤسسات العامة في ظل التحول الرقمي

Silhouette Business People Corporate Connection Discussion Meeti

لقد أصبحت كلمة “التحول الرقمي” متداولة كثيراً في الأعوام القليلة الماضية علي لسان العديد من المسئولين في الحكومات حول العالم.

وأصبح “التحول الرقمي” مرادفاً لرغبة الدول في التقدم واللحاق بالحداثة والدخول إلي منظومة الاقتصاد العالمي القائم علي المعرفة.

ولكن لكل “تحول” سواء كان رقمياً أو غير رقمياً متطلبات كثيرة وبل أثاراً قد لا يراها البعض ولا يعمل حساب لها.

وهنا تكمن الضرورة لدراسة متطلبات المرحلة والأثار الناجمة عنها، لكي نكون مستعدين للتعامل مع تلك المتطلبات وتوقع أثارها بدرجة عالية من المرونة المقرونة بأخذ قرارات فعالة تناسب طبيعة التغيير المتسارع نتيجة للتطور التكنولوجي المذهل والغير مسبوق.

فالمرحلة التي يعيشها العالم الآن نتيجة تسارع التطور التكنولوجي هي مرحلة فريدة تتسم بالتغيرات المتلاحقة التي تؤدي إلي وجود حالة من عدم التيقن أو الشك بصورة أو أخري.

فنحن نعيش مرحلة شديدة الرمادية يتصارع فيها القديم والثابت مع المستحدث الذي يبدو غريباً علي الكثير من متخذي القرار وواضعي السياسات، وبل مربكاً لهم.

فطبقاً لدراسة حديثة أشار 52% من المشمولين في الاستطلاع أن الروبوت سيحل مكان الأنسان في الكثير من الأعمال، حيث أن 49% من الأعمال الحالية التي يقوم بها البشر من المتوقع أن تختفي بحلول عام 2035 لصالح الألة، كما أن 25% من المشمولين في هذا الاستطلاع يري أن علي الحكومات تنظيم عمل الروبوت خلال الفترة القادمة حتي لا يضغي علي البشر.

كما أن 90% ممن شملتهم الدراسة يعتقدون أن القطاعات الاقتصادية المختلفة سوف تتأثر بشكل كبير ومباشر نتيجة التسارع التكنولوجي والتحول الرقمي، كما يري 56% منهم أن المؤسسات غير جاهزة لمثل هذا التحول.

وهذا كله مؤشر أن الفجوة بين التكنولوجيا وتطبيقاتها المستحدثة والغير نمطية وبين الطريقة التي نمارس بها الأعمال ستزيد، لأن المتغيرات أصبحت واضحة فيما يتعلق بنوعية ومتطلبات الوظائف وشاغليها، وبل مناخ العمل نفسه، بما يخلق الكثير من التحديات المرتبطة بتطور الأجور وعدالتها، وبالتالي إلي تغيير المنظومة الاقتصادية التلقيدية بصورة غير مألوفة، ومن ثم تكدير منظومة السلم المجتمعي، وذلك أصبح جلياً في تظاهرات السترات الصفراء في فرنسا أو التظاهرات الناجمة عن براكسيت في انجلترا.

منذ سنوات قليلة جداً، كان من غير المقبول أو المسموح أن يستخدم الموظف وسائل التواصل الاجتماعي أثناء تواجده في عمله. وهذا أصبح من الماضي بل تذكره يجلب السخرية من هذه الطريقة التي تصور بها مديري المؤسسات أنهم قادرين علي وقف هذه الممارسات الناجمة عن الاستخدامات المستحدثة للتكنولوجيا.

نحن نعيش عالم مختلف اليوم. ولأنه توجد حاجة للتواصل مع 2.3 مليار مستخدم علي الفيسبوك و1.9 مليار مستخدم علي اليوتيوب وما يقارب مليار مستخدم علي الانستجرام، أصبح لكل مؤسسة عامة صفحات خاصة بها علي مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك فريق عمل كامل لإدارة تلك الصفحات لنشر الأخبار والأنشطة المؤسسية، والتعامل مع الرأي العام وجمهور المستفيدين من الخدمة، وبل البحث عن المواهب لضمهم إلي فريق عمل المؤسسة.

ونتيجة للتغير الواقع لبيئة العمل ونوعية وطريقة تفكير العمالة الجديدة من الشباب وحجم المعلومات الذي يفوق التصور، أصبحت المؤسسات، وخاصة العامة منها، عليها أن تعمل كمنصة مثلها مثل أوبر وكريم، وليس بالصورة الهرمية التقليدية.

وهذا لتكون قادرة علي اتخاذ القرار بمرونة كافية لصالح جمهور المستهدفين من الخدمة، سواء كانوا مواطنيين أو شركات محلية أو مستثمرين، لتعظيم القيمة الاقتصادية والاجتماعية لهم.

ولتحقيق هذا، علي متخدي القرار وصانعي السياسات بالمؤسسات العامة أن يدركوا أن الأمر يتعدي ميكنة الأعمال بالمؤسسات. بل لا بد من وجود رؤية “رقمية” داخل المؤسسة تشمل نماذج الأعمال، وكذا لا بد من وجود العنصر البشري المؤهل للتعامل مع الوضع الجديد. وهنا يظهر دور جديد لمديري التكنولوجيا بالمؤسسات جنباً إلي جنب مع علماء تحليل البيانات Data Scientists لترتيب الحجم المهول من البيانات المنتجة من داخل وخارج المؤسسة والخروج منها باستقراءات لما هو مطلوب من متخذ القرار لعمله لصالح المؤسسة وجمهور المستفيدين من الخدمة.

لذا فالابتكار المؤسسي هو سبيل أوحد لا بد منه ولا حياد عنه، فعلي متخدي القرار وصانعي السياسات وقادة المؤسسات، العمل علي ترتيب البيت من الداخل وتنظيم الأعمال والإجراءات طبقاً للمفاهيم الجديدة القائمة علي توطين واستهلاك التكنولوجيا، وعليهم إعادة النظر في العلاقات بين المؤسسة والأطراف الخارجية بمبدأ الشراكة، سواء كانوا المواطنين أو الشركات محلية أو المستثمرين، وكذا إعادة توزيع المهام والمسئوليات علي فرق العمل بالمؤسسة.

كما أن العامل البشري سيظل في بؤرة التطوير وليس كما يظن البعض. ولكن بتنظيم وفكر جديدين، حيث أن التوصيف الوظيفي سيصبح من الماضي، لأن كل فرد بالمؤسسة سيكون له دور مختلف حسب المهمة الموكلة اليه في دائرة معينة من دوائر العمل بالمؤسسة.

وهذا يتطلب وجود مهارات أساسية لدي الموظف بالمؤسسة، ومنها التفكير النقدي والقدرة علي حل المشكلات والابتكار والإبداع والذكاء العاطفي ومهارات القيادة وريادة الأعمال والمرونة وكذا المهارات التكنولوجية والرقمية. والأخيرة بمفهوم ليس معرفة كيفية عمل التكنولوجيا، فهذا شأن المتخصصين، بل بمفهوم القدرة علي كيفية توظيف التكنولوجيا لخدمة المؤسسة وجمهورها.

ومن تأتي أهمية أن تكون المؤسسة في حد ذاتها قادرة علي التعلم Learning Organization لتسهيل التعلم لمنسوبيها وإرشادهم للجديد باستمرار، لخدمة الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة.

لذا علي المؤسسات الاحتفاظ بالقادة القادرين علي تفهم التحول الرقمي والتعامل مع معه، أو تمهيد الطريق لقادة جدد قادرين قادرين علي التعامل مع التسارع التكنولوجي لخدمة مؤسساتهم ومجتمعاتهم واقتصادهم.

لأنه علينا أن نقوم بتجهيز مؤسساتنا العامة للعبور إلي المستقبل. وهذا لأن المستقبل يبدأ الأن.

محمد عزام

أبريل 2019

المراجع

  1. Church and S. Dutta. (2013). The promise of big data for OD: Old wine in new bottles or the next generation of data-driven methods for change? OD Practitioner Vol. 45 No. 4.
  2. Church, C. Rotolo, N. Ginther and R. Levine. (2015). How are top companies designing and managing their high-potential programs? Consulting Psychology Journal: Practice and Research Vol. 67 No. 1.
  3. Church and W. Burke. (2017). Four Trends Shaping the Future of Organizations and Organization Development. OD PRACTITIONER Vol. 49 No. 3.
  4. Shull et. al. (2014). Something old, something new: Research findings on the practice and values of OD. OD Practitioner Vol. 46 No. 4.
  5. Betz, F. (2008). Road to Competitive Strategy . National Science Foundation (NSF).
  6. Brown, T. (2008). Design thinking. Harvard Business Review.
  7. Granda Tandazo, F. Paladines Galarza and A. Velásquez Benavides. (2016). Digital strategic communication in Ecuador‟s public organisations. Current state and future. Revista Latina de Comunicación Social Vol. 71.
  8. Rawlings and R. Bencini. (2014). What Does Moore’s Law mean for the rest of society? Futurist Vol. 48 No. 4.
  9. Cheung-Judge, M.-Y. (2017). Future of Organizations and Implications for OD Practitioners. OD Practitioner Vol. 49 No. 1.
  10. (2018). The Digital Future Is Now. BCG.
  11. Domnica, D. (2012). The role of leadership in identifying the premises of the future organization. REVISTA ACADEMIEI FORTELOR TERESTRE Vol. 2 No. 66.
  12. (2018, August 17). Top 15 Most Popular Social Networking Sites and Apps. Retrieved from https://www.dreamgrow.com/top-15-most-popular-social-networking-sites/
  13. Michaels, H. Handfield-Jones and B. Axelrod. (2001). The War for Talent. Harvard Business School.
  14. Kane et. al. (2016). Digitally savvy executives are already aligning their people, processes, and culture to achieve their organizations’ long-term digital success. MIT Sloan Management Review and Deloitte.
  15. Gould-Davies, N. (2017). Seeing the future: power, prediction and organization in an age of uncertainty. International Affairs Oxford University.
  16. Gulati, R. (2009). Reorganize for Resilience: Putting Customers at the Center of Your Organization. Harvard.
  17. Bakhshi, J. M. Downing, M. A. Osborne and P. Schneider. (2017). The Future of Skills: Employment in 2030. Pearson and Nesta.
  18. Husband, J. (2018). Sketches for the Future of Work.
  19. Bersin, B. Pelster, J. Schwartz and B. van der Vyver. (2017). Global Human Capital Trends : Rewriting the rules for the digital age. Deloitte University Press.
  20. Boudreau, R. Jesuthasan and D. Creelman. (2015). Lead the Work: Navigating a World Beyond Employment. John Wiley & Sons.
  21. Deal and A. Levenson. (2016). What Millennials Want from Work: How to Maximize Engagement in Today’s Workforce. McGraw Hill.
  22. Kaufman, R. (2015). Individual Training, Performance Improvement, and the Future for Organizations. Educational Technology Vol. 55 No. 6.
  23. (2018). Rise of the humans 3: Shaping the workforce. KMPG.
  24. Golay and A. Church. (2013). Mass customization: The bane of OD or the cure to what ails it? Leadership and Organization Development Journal Vol. 34 No. 7.
  25. Alves, S. Galina and S. Dobeli. (2018). Literature on organizational innovation: past and future. Innovation & Management Review Vol. 15 No. 1.
  26. Grebe, M. Rüßmann, M. Leyh and M. Franke. (2018). Digital Maturity Is Paying Off. BCG.
  27. Guthridge and A. Komm. (2008). Why multinationals struggle to manage talent. McKinsey Quarterly.
  28. Wilkesmann and U. Wilkesmann. (2018). Industry 4.0 – organizing routines or innovations? VINE Journal of Information and Knowledge Management Systems Vol. 48 No. 2.
  29. Mohamed Azzam et. al. (2018). THE JOURNEY TO EGYPT’S DIGITAL TRANSFORMATION. International Association for Management of Technology (IAMOT). Birmingham UK.
  30. OECD/Eurostat. (2018). Oslo Manual: Guidelines for Collecting, Reporting and Using Data on Innovation. OECD Publishing.
  31. Örtenblad, A. (2018). What does “learning organization” mean? The Learning Organization, Vol. 25 No. 3.
  32. (2014). Workforce of the future: The competing forces shaping 2030. PWC.
  33. Silzer et al. (2010). Identifying and assessing high potential talent: Current organizational practices. In R. Silzer & B. E. Dowell (Eds.). Strategy-Driven talent management: A leadership imperative.
  34. Reichert, T. (2018). How to Drive a Digital Transformation. DigitalBCG.
  35. Richard Guzzo et. al. (2015). Big Data Recommendations for Industrial–Organizational Psychology. Industrial and Organizational Psychology Vol. 4 No. 4.
  36. Beechler and I. C. Woodward. (2009). The global “war for talent”. Journal of International Management Vol. 15.
  37. Plesner, L. Justesen and C. Glerup. (2018). The transformation of work in digitized public sector organizations. Journal of Organizational Change Management.
  38. Burke and G. Litwin. (1992). A causal model of organizational performance and change. Journal of Management Vol. 18 No. 3.
  39. Wes, D. (2018). PUBLIC OPINION SURVEYS ON AI AND EMERGING TECHNOLOGIES. The Brookings Institution.