نهاية صناعة السراب .. ثورة التصحيح العالمية .. شكراً كورونا ..

فيروس صغير أجبر العالم وبل الحياة علي التوقف. ولكنه فيروس، علي صغر حجمه هذا، سيمهد لبدء دورة حياة جديدة للبشرية. لقد أظهر هذا المخلوق الصغير أن العالم انساق وراء أوهام كثيرة مدفوعاً بنظريات براقة لامعة، ثبت فشلها في أول اختبار حقيقي.
علي مدار عقود طويلة قامت مراكز الابحاث الدولية ومكاتب الاستشارات العالمية بالترويج وبل الحث علي التوسع في مفهوم اقتصاد الخدمات بمختلف دول العالم. ربما جاء هذا لأن بيع الخدمات في أغلب الأحوال هو نشاط سريع التنفيذ وعالي الربحية، ويساعد في خلق فرص عمل ويزيد من نسب نمو الاقتصاد، وبل أيضاً لا يتطلب الكثير من الاستثمارات مثل الاقتصاد الصناعي والاقتصاد الزراعي.
وانساق الجميع وراء هذا السراب الجميل بلا استثناء. في عام 2017 أصبحت نسبة الاقتصاد الخدمي لمجمل الاقتصاد الكلي تصل في المتوسط إلي 60% علي مستوي العالم، في حين أن الاقتصاد الصناعي نسبته 30% والاقتصاد الزراعي نسبته 10% فقط. لذا من الممكن نري لماذا عصفت أزمة كورونا بالعالم كما تعصف الأمواج العاتية بمركب شراعي في قلب المحيط الهادر.
فحتي الصين (مصنع العالم) فأن نسبة اقتصادها الخدمي يبلغ حوالي 52% من إجمالي اقتصادها، في حين اقتصادها الصناعي 40% واقتصادها الزراعي 8%. أما الولايات المتحدة فأن اقتصادها الخدمي وصل إلي معدلات مرتفعة جداً بلغت 80% من حجم اقتصادها الكلي، واقتصادها الصناعي 19%، واقتصادها الزراعي 1% فقط. وفي دول الاتحاد الأوروبي، فالنسب قريبة من نسب الولايات المتحدة لحد ما، حيث أن 70% للاقتصاد الخدمي، و25% للاقتصاد الصناعي، 5% للاقتصاد الزراعي. أما بالنسبة للاقتصاد المصري فهناك توازناً أكثر بشكل أو أخر، حيث بلغت نسبة الاقتصاد الخدمي 54% من إجمالي الاقتصاد، والاقتصاد الصناعي 34% والاقتصاد الزراعي 12%.
ولكن العالم، الذي لهث طويلاً وراء الاقتصاد السهل المتمثل في اقتصاد الخدمات، بدء في دفع ثمناً باهظاً بمجرد ظهور أزمة لم تكن في الحسبان مثل أزمة تفشي فيروس كورونا. لأن العديد من تلك المراكز البحثية والمكاتب الاستشارية العالمية ذات الأسماء البراقة لم تكن تضع ضمن المخاطر التي من الممكن أن تواجه أنشطة الأعمال علي مستوي العالم خطر تفشي الأمراض المعدية، أو كانت تضعها في أخر قائمة المخاطر علي أفضل تقدير، بمعني أخر لم تكن تعيرها أي اهتمام بصورة أو أخري.
مأساة كبري ناجمة عن رؤية زائفة لأسماء براقة ولامعة لمحترفي صناعة السراب من كبار مراكز الأبحاث والمكاتب الاستشارية، ولكنها لم تكن الأولي فتلك الأسماء الكبيرة الرنانة قد تسببت في مآسي كثيرة للاقتصاد العالمي، فلعنا نتذكر فضحية شركة اينرون العالمية للطاقة في أواخر التسعينات من القرن الماضي، وبعدها أزمة العقار الكبري في أواخر 2007 أيضاً. ولكن هذا كله لم يكن يمس حياة البشر مثل ما فعل فيروس كورونا.
لذا علي مصر وبل العالم كله إعادة ترتيب الأولويات، لبناء منظومة للتنافسية راسخة للأجيال القادمة، وليس بناء منظومة للتنافسية قائمة علي سراب خادع، وإعادة النظر في مفاهيم التنافسية اليوم قبل الغد.
فبناء منظومة التنافسية لابد أن تتوافر لها مجموعة من القواعد الثابتة. علي رأسها السياسات العامة والتشريعات الداعمة لها، والمنظومة الاقتصادية المتكاملة والقائمة علي تحقيق التوازن بين أفرع الاقتصاد الثلاثة الخدمي والصناعي والزراعي بحيث لا يضغي فرع علي الأخر كما حدث خلال الخمسين سنة الفائتة، والمنظومة التكنولوجية الابتكارية المحفزة للأفرع الاقتصادية الثلاثة، وكذا منظومة التجارة الحديثة القادرة علي بيع المنتجات ليس في الأسواق المحلية والاقليمية فحسب بل في الأسواق العالمية.
ولتحقيق هذا علينا بناء قاعدة هرم التنافسية بالإيدي الوطنية وبمشاركة فعالة من مراكز الأبحاث والفكر المصرية، وبزيادة الاستثمار في البنية التحتية بالمفهوم الأوسع، ليشمل ليس فقط البنية التحتية التلقيدية مثل الطرق والكباري والمطارات ومحطات الطاقة وغيرها، بل يمتد إلي البحوث والتطوير وأمتلاك التكنولوجيات الحديثة والناشئة مثل التكنولوجيات المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة وما بعدها ومنها علي سبيل المثال تكنولوجيات الذكاء الاصنطاعي والتكنولوجيا الطبية والحيوية وتكنولوجيا الزراعة والري وانترنت الأشياء والحوسبة السحابية والانترنت عريض النطاق وتحليل البيانات العملاقة، وإنشاء المصانع الحديثة وتوطين التكنولوجيا بها علي أوسع نطاق، والاهتمام بتطبيق مفاهيم الاقتصاد الدوار للحفاظ علي البيئة، وبالطبع تسليح الإنسان بالمعارف وتدريبه وتأهيله باستمرار ليتوافق مع تلك المستجدات، حيث أن الأنسان دائماً هو في قلب أي منظومة، وبدون تطويره لا يمكن تطوير المنظومة ككل. وهذا لإنتاج منتجات وخدمات عالية القيمة المضافة لنا وللعالم وبالتالي بناء الثروة الوطنية.
بناء قاعدة الهرم هي السبيل لمستقبل أكثر حداثة وإشراقاً وتنافسية، ونحن ليس فقط نجيد بناء الأهرام، بل نحن من أوجدنا الفكرة من الأساس منذ أكثر من 7000 سنة.
وفي النهاية أتذكر قول الله عز وجل {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}، لذا علي العالم أن يفكر دائماً فيما ينفع الناس بعيداً عن صانعي السراب، وشكراً كورونا لأنك وضعتي المسمار الأخير في نعش صناعة السراب.
محمد عزام
عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لإدارة التكنولوجيا
عضو مجلس أمناء المجلس العربي للمسؤولية المجتمعية

أقابلك بعد العصر .. الفرق بين عبد الرحمن وكارينا .. كلاكيت ثاني مرة

camal

لقد اختلف العالم كثيراً بعد اختراع الطباعة علي يد العالم الألماني يوهان جوتنبرج في منتصف القرن الخامس عشر، أبان عصر النهضة التي بدأت في القرن الرابع عشر وحتي القرن التاسع عشر، حينما طور جوتنبرج علم الطباعة الذي أسسه الكوريون في القرن الثالث عشر. ثم مرت علي العالم مراحل تطور عديدة أثرت في تقدمه، كان من أهمها قيام الثورة الصناعية بإوروبا في القرن التاسع عشر وإحلال الماكنية للإنسان، فدخول العالم العصر النووي بإلقاء القنبلة الذرية علي اليابان في عام 1945، فدخول العالم عصر المعلومات في خمسينات وستينات القرن العشرين والذي حدث به طفرة جينية بدخول البشر عالم الانترنت وانتشار الهواتف المحمولة بدءاً من تسعينات القرن العشرين، هذا العالم الذي جعل تفاعل البشر علي سطح الكرة الأرضية مع بعضهم البعض بلا عوائق أو فروقات زمنية، وأصبح الحدث الذي يحصل في جبال الهملايا مثلاً يعرفه الناس جمعاء بعد جزء من الثانية في جميع أنحاء الأرض المعمورة وغير المعمورة.

ولكن في هذا الزمن الذي يقاس به سرعة انتشار الخبر والمعلومة في جزء من أجزاء الثانية، أصبح مفهوم أقابلك بعد العصر منتشراً في مجتمعاتنا الجميلة، فتري شخصاً ما يقول لشخص أخر أشوفك في المكتب بعد صلاة العصر. يعني الساعة كام مش مهم، فصلاة العصر يؤذن لها الساعة 2.35 مساءاً في الشتاء وحتي الساعة 4.30 مساءاً أثناء التوقيت الصيفي. فهذا يعني عندما يتقابل الناس بعد صلاة العصر فهذا ممكناً من الساعة 2.40 مساءاً وحتي ميعاد صلاة المغرب الساعة 5.00 مساءاً، بفرض أن صلاة العصر يؤذن لها الساعة 2.35 مساءاً. الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ولكن هذا شئ بلا قيمة في مجتمعات متدينة بطبعها، مجتمع عبد الرحمن وزمن برهامي ووجدي غنيم.

وكتطور طبيعي لهذا المفهوم سنسمع قريباً في مطار القاهرة “تعلن شركة مصر الطيران عن ميعاد قيام رحتلها إلي نيويورك بعد صلاة الفجر” أو “تعلن الخطوط الألمانية عن ميعاد قيام رحتلها إلي فرانكفورت بعد صلاة المغرب”. ممكن طبعاً باصرارنا علي البعد عن أدوات الحضارة ومفاهيمها والتصور، وأن ربط أعمالنا بأشياء تتصل بالدين مثل ميعاد اللقاء بعد الصلاة هو تأكيد علي التقوي والورع. ما هذا .. هل هذا يمت للدين، أي دين بصلة، بالطبع لا، إنما يمت لثقافة التدين وهي التفسير البشري الناقص للدين، الذي هو الفعل الألهي الكامل، حيث أن الكمال للخالق المعبود وحده. هذا التدين الذي يقوم علي تعظيم الجانب الميكانيكي من العبادة الذي تأثر بكثير من الموروث الذي يعلم الله وحده سبحانه مدي صحته، بدون النظر لماذا أراد الله جل جلاله منا أن نقوم بهذه العبادة في الأصل والحكمة من ورائها. قال الله تعالي في كتابه الحكيم (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين) .. التقوي منكم يا مؤمنين .. التقوي فقط وليس النحر.

وعلي الجانب الآخر ففي مجتمعات الكفار .. مجتمعات كارينا وزمن بيل جيتس وستيف جوبز، الأمر شديد الأختلاف. ففي رحلتي إلي فرنسا في شهر مارس 2015، الدولة رقم 43 التي أزورها، نري أن قيمة الوقت مقدسة، شأن جميع مجتمعات الكفار التي أسست منظومة للقيم احترمها سكانيها وزوارها. وهنا استحضرني موقف حدث لي أثناء زيارة قصر فرساي خارج باريس، فقد تحرك الاوتوبيس في تمام الساعة 8.45 صباحاً، ووصل للقصر الساعة 9.30 صباحاً ثم تحرك مرة أخري عائداً إلي باريس الساعة 12.00 ظهراً بالثانية، وبه 38 سائح من أكثر من 12 جنسية تحت قيادة المرشدة السياحية التي تتكلم 6 لغات بطلاقة (الفرنسية والانجليزية والألمانية والايطالية والاسبانية والبرتغالية). كلهم تواجدوا بلا استثناء، وأنا منهم، في أمكانهم 5 دقائق قبل الميعاد داخل الاوتوبيس طبقاً لأوامر الكومندانة المرشدة السياحية الشديدة الحزم. تحرك الاوتوبيس في تمام الساعة 12.00 ظهراً وليس قبل صلاة الظهر حسب التوقيت المحلي لعاصمة النور وضواحيها.

ومن هنا جاء التقدم والنمو في مجتمع كارينا بعكس مجتمعات التدين الميكانيكي .. مجتمع عبد الرحمن .. التي أنتشر بها المحوسبية والرشوة والتهرب من القوانين ورمي القمامة علي قارعة الطريق، وبالتالي حصدت التخلف والإنقسام والحروب الأهلية، ليلاقوا مصير الهنود الحمر عن قريب، لأنها مجتمعات بلا منظومة قيم بناءة .. مجتمعات أصبح تتقدم للخلف بسرعة الصوت وقريباً بسرعة الضوء.

ومن هنا يأتي الحديث عن محاولات تجديد الخطاب الديني .. التي أظن أنه لا يوجد رؤية واضحة حتي الآن لمفهوم هذا التجديد وآلياته والهدف منه. والمضحك أو المبكي في هذا أن نفس الناس الذين أضاعوا مفاهيم الدين والدنيا مطالبين بالتجديد. هل هذا معقول؟ بالطبع لا والنتيجة ستكون في الغالب تجديد شكلي وليس جوهري لهذا الخطاب، ليكون في شكل استخدام أمام الجامع أو راهب الكنسية لحاسب آلي وآلة عرض بدلاً من الميكروفون، مع ذبح وقطع أطراف أي مجنون يحاول أن يسلب التفويض الآلهي من همان، أي مجنون يحاول التجديد الفعلي بالرجوع إلي الأصل وتنقية الثمين من الغث الذي أصابه علي مدار قرون كثيرة، هذا الغث الذي أصبح له مقام التقديس مثله مثل الأصل وتحول علي مدار الزمن إلي جزء من الأصل وبنفس قدره، فاختلط علي العامة الأمر، ولهم كامل العذر، ليدخلوا في دوامات التقدم للخلف، بالإضافة إلي دخول مزيد من الشباب أما في أحضان الإرهاب أو أحضان الالحاد، وهذا لوجود انفصام بين واقعهم الرقمي الحديث المنفتح وما يقال لهم علي أنه من باب التقديس، ولهم كامل العذر إيضاً.

وإلي لقاء قريب بعد العصر إن شاء الله.

أنا وعبده والصندوق

elections2

الصندوق .. الصندوق .. عبارة سمعناها كثيراً منذ نكسة أو ثورة 25 يناير 2011.

ولكن هل 25 يناير نكسة أم ثورة؟ سيظل الكثيرون مخلتفون علي تسمية 25 يناير بالثورة أو بالنكسة، كما سيخلتفوا علي تسمية 30 يونيو 2013! فالبعض يري أن 30 يونيو كانت موجة ثورية جديدة ومصححة لثورة 25 يناير، والبعض يراها هي الثورة الحقيقة لاستعاده وطن اسمه (مصر)، والبعض الأخر يراها إنقلاباً علي ما يسمي بشرعية الصندوق من قبل ما يسمي في وجهة نظرهم (العسكر).

الصندوق مرة أخري .. لماذا يظل هذا الجماد المسمي بالصندوق رمزاً للشرعية؟ الإجابة بسيطة لدي عاشقي الجماد .. أسف الصندوق، لأنه في رأيهم يمثل الإرادة الشعبية. إدارة كل من ذهب ليدلي بصوته لاختيار مسار للوطن .. مصر .. هذا الوطن الضارب بجذوره في التاريخ .. هذا الوطن الذي علم البشرية مفاهيم الدولة والحكم والحرب والزراعة والري وحتي مفهوم الأديان والعبادة، ونقل البشرية من مرحلة التيه إلي الاستقرار وبناء الحضارة وترسيخ نفع العلم وتأسيس الأوطان.

ولكن دائماً وأبداً فأن آفة حارتنا هي (النسيان) كما قال المبدع نجيب محفوظ في رائعته أولاد حارتنا. ففي الرواية أرسل جبلاوي إلي أهل الحارة أحفاده جبل ورفاعة ثم قاسم حتي يعود للحارة الأمن والسلام والعدل والحق، ولكن أهل الحارة نسوا تعاليم جبل ورفاعة وقاسم بعد وفاتهم بقترة قصيرة، وعادوا إلي قهر بعضهم البعض، ومد نظار الوقف وفتواتهم نفس منظومة الظلم والخوف علي الجميع، ولكن تحت نفس مسميات وصايا وتعاليم وأحاديث العظماء من أحفاد جبلاوي الذي أرسلهم للحارة. ثم تبدل الحال بعد هذا بسنوات طويلة، حين ظهر عرفة (العالم) وأتي للحارة باختراعاته المبهرة، والتي فاقت العديد من كرامات جبل ورفاعة وقاسم. وكان عرفة سبباً في موت جبلاوي؛ وعلي الرغم من هذا مات جبلاوي وهو راضي عن عرفة!

وفي رأيي، وعلي الرغم من أن عرفة العالم أغري العديد من شباب الحارة للتعلم والفهم والبعد عن الخرافات التي كان يطلقها نظار الوقف وفتواتهم، طمعاً منهم في المزيد من الجاه والثروة والسلطة. ولكن مازال أخرون في الحارة يكره عرفة ولايريدون أن يذكر إلا بالشر، ظناً منهم أن يخالف وصايا وتعاليم وأحاديث أحفاد جبلاوي، وأن هذا سيجعل جبلاوي يصب عليهم أقسي أنواع العقاب، مع أن عرفة أتي إليهم بالخير وهم لا يشعرون.

وفي حارتي الصغيرة شاب اسمه عبده .. هذا الشاب قادم من الريف ومن محبي الصندوق والمؤمنين به، فلقد أعطي صوته في سبيل الله في كل المرات، لذا قررت أن أفهم منه لماذا يفعل هذا. وطلبت عبده في المكتب وقلت له: أنا أريد أفهم يا عبده وجهة نظرك فقط لاغير. فرد علي عبده قائلاً: يا باشا أنا قلت نعم علشان الكفرة كانوا عاوزين مصر بلد كفر وعربدة، وفي مجلس الشعب انتخبت الناس بتوع ربنا وعلمت علي رمز الميزان، علشان الشيخ بتاع الزواية قال لي أنهم ناس عاوزين الأسلام وتطبيق شرع ربنا. وهنا استوقفت عبده للحظة وقلت له: يا عبده أنت حتي ما بتصليش وأيه حكاية رمز الميزان؟ يعني أنت مش عارفهم؟ فرد عبده: قالي لا ماعرفش أي واحد منهم. فقلت له: طيب يا عبده أنت عارف أيه هو شرع ربنا؟ وهنا سرح عبده كثيراً وعيناه تحلق في سقف الغرفة .. وبعد طول أنتظار رد علي وقال: لا يا باشا أنا مش عارف .. أنا علمت علي الميزان وبس وعملت كده برضه مع الدكتور مرسي علشان الراجل ده قال أنه عاوز يطبق الشرع. فقلت له أنت عارف كان مين قدامه؟ فرد بتعلثم: لا يا بيه مش عارف .. بس هم قالولي أنه حرامي. فقلت له: مش فاكر كان أسمه ايه في الورقة؟

وهنا حدثت لي مفأجاءة لم أتوقعها حين قال عبده لي: يا باشا أنا مابعرفش أقرا ولا أكتب!

وحينها فتحت ثغري وأنا في منتهي الأندهاش، مثل الإعلان التليفزيوني الشهير، ثم قلت له: أنت مش قلت لي أنك معاك شهادة دبلوم متوسط تخصص الزراعة؟ رد عبده: أيوه يا يا باشا معاي دبلوم.

وهنا تذكرت مقولة الدكتور محمد بديع -مرشد الأخوان- الشهيرة “وماذا ذنب النباتات؟” وأطلقت ضحكة عالية ممزوجة بمرار مثل العلقم، قبل استئذاني لعبده حتي أقوم لصلاة العشاء ومن ثم مشاهدة برامجي المفضلة.

وأيقينت حينئذاً أن “التنوير” هو الحل وليس “الديمقراطية” كما يتم ترويجها من دول الغرب وأتباعهم المستغربين وأدعياء الحداثة البعيدين عن الواقع، مثلهم مثل أدعياء حمل صكوك الغفران. وأن استمرار لعبة الصندوق ستؤدي إلي استمرار المضي قدماً في طريق المجهول.

جنوب إفريقيا ومحطة مصر

East London SA

يبدو من الوهلة الأولي أن العنوان غربياً، وأنه لا يوجد أي علاقة من قريب أو بعيد بين دولة جنوب إفريقيا … الكائنة في أقصي القارة … ومحطة مصر الكائنة في وسط مدنية القاهرة عاصمة المحروسة (دائماً) مصر.
لنعرف ما هي تلك العلاقة، دعنا نتعرف أولاً علي دولة جنوب إفريقيا، والتي سعدت بزيارتها في أواخر شهر مايو 2013، لحضور المنتدي الدولي الخامس للإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال، والذي إقيم هناك برعاية البنك الدولي ووزارة العلوم والتكنولوجيا الجنوب إفريقية في مدنية إيست لندن، تلك المدنية الواقعة علي المحيط الهندي في أقصي الجنوب الشرقي من القارة السمراء الجميلة، وعلي بعد خطوات من المدخل الشرقي لرأس الرجاء الصالح، للعبور إلي المحيط الأطلسي. وقد تأملت هذا الأسم كثيراً، فهو (الرجاء) و(الصالح) إيضاً، تسمية بديعة من دون شك.
وتبلغ مساحة جنوب إفريقيا أكثر من 1.2 مليون كيلومتر مربع، وسواحلها تمتد لأكثر من 2700 كيلومتر، في حين يبلغ تعداد سكانها أكثر من 51 مليون نسمة، طبقاً لأخر تعداد في عام 2011. وعدد اللغات الرسمية في الدستور يبلغ 11 لغة، نعم 11 لغة رسمية في هذه الدولة الجميلة والمتقدمة. ومن تلك اللغات لغتان من أصول أوربية وهي الانجليزية والافركان (المشتقة من الهولندية). وعلي الرغم من أن اللغة الانجليزية هي لغة الأعمال والأكثر شيوعاً في هذا المضمار، إلا أنها تقع في المرتبة الخامسة من حيث عدد المتحدثين بها.
وتاريخ جنوب إفريقيا يعتبر تاريخاً غنياً وفريداً من بدء الخليقة علي الأرض، فلقد تم اكتشاف حفريات الأنسان الأول علي أرضها في عام 1924 في منطقة توانج. وقد قام المكتشف البرتغالي بارتولوميو دياس بالنزول علي أقصي الجانب الغربي من القارة (نامبيا حالياً) في عام 1487، في محاولة منه لاكتشاف ممر تجاري إلي الهند، وفي بدايات عام 1488، أكمل المكتشف دياس رحلته شرقاَ، ولكن في ظل عواصف هائلة، مما جعله يبحر بعيداً عن الساحل، ليصل إلي الساحل الشرقي من القارة. وفي أثناء عودته غرباً، في مايو من نفس العام، رأي المكتشف العظيم رأس القارة لأول مرة، وقد أطلق الملك البرتغالي (جون الثاني) حينئذ اسم الرجاء الصالح عليه، ليصبح منذ ذلك التاريخ رأس الرجاء الصالح. ويتوالي الزمن علي جنوب إفريقيا مروراً بالاستعمار الأوروبي ثم البريطاني ثم الاستقلال عن بريطانيا العظمي وبدء مرحلة الفصل العنصري البغيض، ثم خروج (الزعيم) مانديلا من السجن وانتهاء سياسة الفضل العنصري إلي الأبد، وتطبيق سياسة التصالح الوطني الحقيقي وليس المفتعل، لتصبح جنوب إفريقيا دولة من أهم الدول الناشئة اقتصادياً في العالم وبناتج قومي حوالي 408 مليار دولار، أي حوالي ضعف الناتج القومي المصري، مما جعل جنوب إفريقيا مؤهلة للأنضمام إلي نادي الدول الواعدة BRICS وهي البرازيل (2.45 تريليون دولار) وروسيا (1.86 تريليون دولار) والهند (1.87 تريليون دولار) والصين (7.32 تريليون دولار). كما أن سياسة جنوب إفريقيا التكنولوجية الجديدة تسعي إلي التميز في 3 محاور وهي: تكنولوجيا الفضاء وتكنولوجيا الطاقة والتكنولوجيا الحيوية، لذا لديهم وزارة للعلوم مقرونة بالتكنولوجيا. وتلك المحاور هي الطريق الوحيد في قرننا الواحد والعشرين للتميز والإنطلاق إلي (النهضة) الحقيقية وليست النهضة التي نعاني منها مؤخراً هنا في المحروسة.
وبنظرة علي التركيبة السكانية والديموجرافية في جنوب أفريقيا نري أن نسبة السكان السود في جنوب إفريقيا حوالي 80% من تعداد السكان، والملونيين حوالي 9%، والبيض حوالي 9%، وأصحاب الأصول الهندية والأسيوية حوالي 2%. وهناك تري الميكروجيب والحجاب وبل النقاب إيضاً، وتري البنطلون الجنيز والشورت والجلابية البيضاء في آن واحد، كلاً في تناغم وتعايش فريد وجميل، وهذا كله بفضل عظمة (القائد) مانديلا، الذي طبق عند وصوله للحكم (بعلم أو بغير علم) مقولة النبي الكريم محمد (صلي الله عليه وسلم) عند دخوله مكه حين قال “أذهبوا فأنتم الطلقاء”. أنها صفات القيادة والزعامة الحق في كل زمان ومكان.
الاختلاف والتلاحم والتوحد حول هدف، ليس موجوداً في جنوب إفريقيا فقط، ولكن موجود إيضاً في محطة مصر. عندما تتأمل الناس في محطة مصر، تري كل الوجوه من جميع الأطياف، منهم صاحب اللحية الكثيفة والجلباب القصير مع صاحب البدلة الشديدة الأناقة، ومنهم صاحبة البنطلون الجنيز الضيق وبجانبها مرتدية الخمار، كلهم في سعادة، وكلهم متعايش مع الأخر، وكلهم متعاون، وكلهم يسعوا إلي هدفهم الواحد البسيط، وهو ركوب القطار.
هذا الاختلاف والتلاحم والتوحد هو سر عظمة أي مجتمع وأي دولة وتفوقها، كما كان الحال في مصر، قبل دخولنا عصر الظلام الأول في 1952 وعصر الظلام الأكبر بعد ستين سنة، حيث أنه عصر يسعي إلي ظلام العقول وبل القلوب إيضاً، تحت مسميات غربية أقرب إلي عصور ما قبل التاريخ والحياة، أدت إلي التفرق والتشرذم والتناقض.
نحن نحتاج إلي قيادة تنقل مجتمع (محطة مصر) إلي مصر كلها، وهذا هو السبيل الأوحد.

قراءات للعبد الفقير لله حول مسودة دستور جمهورية مصر العربية الإسلامية النيلية الإفريقية الأسيوية

25-January_Revolution_04

يقول إبن التفيس: وأما الأخبار التى بأيدينا الآن، فإنما نتَّبع فيها غالب الظن، لا العلم المحقق.

يبدو أن ما ورد في كلام ابن النفيس هو أساس كل مشاكل مجتمعات منطقتنا العربية وبل الإسلامية.

ونعود لقراءة وثيقة الدستور …

ديباجة وثيقة الدستور المنشورة، بتاريخ 30 نوفمبر 2012، في مجملها رائعة، وأري أنها من الممكن أن تكون كافية كـ “دستور” في حد ذاتها، لأنها شاملة لكل المبادئ الأساسية التي نحتاجها لبناء مصر عصرية ومتقدمة.

ولكن الشيطان يمكن دائماً في التفاصيل، وهنا أتذكر قوله تعالي في سورة البقرة الآية 70 {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ}.

وأري أن ظواهر المزايدة بدأت في البند الثانى عشر والخاص بديباجة وثيقة الدستور، حين جاء ذكر الأزهر الشريف وما تبعه من وصف لدور الأزهر، والذي اعتبره غير مبرر وخارج السياق. وأري أن تنتهي هذه الفقرة بكلمة “الأزهر الشريف” وحذف ما يليها.

ودعنا نستكمل قراءة باقي المواد في مسودة الدستور، لأنني كما قلت الشيطان يمكن في التفاصيل.

مادة 1:

كون شعب مصر جزء من الأمة العربية مفهوم، وكونه جزء من الأمة الإسلامية مفهوم بتحفظ لاعتبار أن هناك حوالي 10-20% من السكان من غير المسلمين. ولكن ما هو تعريف الاعتزاز بالانتماء لحوض النيل والقارة الأفريقية والامتداد الآسيوى؟ سؤال لا أجد إجابة عليه إلا في كونه بداية لاستخدام عبارات فضفاضة لا تحمل معني حقيقي.

وأري أن تلك المادة يفضل أن تضاع كالتالي:

“جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ونظامها ديمقراطى. والشعب المصرى جزء من الأمتين العربية والإسلامية، ويشارك بإيجابية فى الحضارة الإنسانية.”

المشاركة الإيجابية في الحضارة الإنسانية بالعلم والمعرفة هي مربط الفرس والسبيل لرفعة الدين والدنيا! يرحمكم الله

مادة 2:

مع تحفظي الشديد أن الدول لا دين لها، ولكن كل فرد من الشعب له آله ودين يؤمن به. ولكن لا بأس بعدم تعديل تلك المادة لدرء المزايدات في هذا الخصوص.

مادة 6:

يقوم النظام السياسى على مبادئ الديمقراطية والشورى. أري هناك إقحام لكلمة “شوري” لإرضاء التيار الإسلامي، في حين لا يوجد تعريف لماهية الشوري وآلياتها. وهل الديمقراطية ليست من أشكال الشوري؟ أظن أنها شكل في أشكال الشوري استقر في وجدان البشرية كلها وأصبح لها آلياتها المعروفة والراسخة لدي الناس كافة. وأود أن أرجع للحكمة التي أرادها الله عز وجل حين ذكر في محكم آياته: {وَأَمْرُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ}، وهي الحكمة الهادفة إلي عدم الإنفراد بالقرار وعدم ترسيخ لمفهوم المؤسسة الحاكمة المستبدة فوق الجميع. فإذاً هي الحكمة وليس اللفظ.

مادة 10 ومادة 11:

استمرار لاستخدام كلمات الدين والدينية في السياق. أيها السادة الأخلاق والقيم والدين أشياء لا تفرض في دساتير ولا في قانون. الأخلاق والقيم والدين أشياء مستقرة في وجدان كل فرد، وتمارس بشكل يؤدي إلي تقدم المجتمع ككل، ولكن للأسف نحن نتحدث عنها في أغلب الأوقات ولا نمارسها، وبالتالي نحصد المزيد من التخلف والفقر والعنصرية، في حين الأمم تتقدم بممارسة وترسيخ منظومة القيم والأخلاق، وليس التحدث عنها.

مادة 12:

وتعمل (الدولة) على تعريب التعليم والعلوم والمعارف. شئ جميل. ولكن هل اللغة العربية في الوقت الحالي هي لغة العلم؟ الإجابة بـ (لا). لنكون مشاركين بإيجابية فى الحضارة الإنسانية، كما هو مذكور سلفاً، علينا الإضافة للحضارة البشرية بالبحث والتطوير أولاً. لذا علي الدولة إنشاء حركة ترجمة للمعارف الإنسانية للغة العربية، يتم من خلالها نقل تلك المعارف إلينا، وفي نفس الوقت تقوم الدولة بالاهتمام بتدريس اللغة الانجليزية لمواكبة التطور العلمي الجبار الواقع حالياً. وحين نكون فاعلين في منظومة التقدم البشري، كما هو كان حادثاً في عصور النهضة الإسلامية السابقة، ستصبح لغة العلم هي العربية بصورة تلقائية وليس بصورة اقحامية لا تقدم ولا تؤخر، فلقد كان علي دارس العلم، حتي القرن الثامن عشر، تعلم اللغة العربية لأنها ببساطة كانت لغة العلوم والرياضيات. هذا استمرار لمسلسل “حافظ ومش فاهم”.

المادة 14:

وحد أقصى (للأجور) فى أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون. الاستثناء باب أخر للمحسوبية والالتفاف، ويجب غلقه. الشبهات أيها الأعزاء!

المادة 29:

لا يجوز التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام، وبقانون، ومقابل تعويض عادل. هذا غير مقبول، فلا يجوز التأميم تحت أي مسمي، فبلاد الأرض واسعة أمام عباده المستثمرين. فهل من الممكن أن يأتي مستثمر داخلي أو خارجي للمحروسة في ظل دستور ينص علي إمكانية التأميم؟ لا طبعاً. ولي هذا العهد يا قوم!

والمادة 29 مناقضة للمادة 30، أو علي أقل تقدير، هناك شبه تعارض.

المادة 36:

ولا يكون حجزه ولا حبسه إلا فى أماكن لائقة إنسانيا وصحيا، وخاضعة للإشراف القضائى. ما هي معايير “لائقة”؟ يجب تحديد هذا طبقاً لمعايير مواثيق حقوق الأنسان العالمية، والتي وقعت عليها مصر المحروسة.

المادة 57:

تمنح الدولة حق الالتجاء للأجانب المحرومين فى بلادهم من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور. هل هذا ينطبق الأفراد أو المجموعات؟ هل هذا ينطبق علي أهل غزة؟ النص عام ويجب إعادة الصياغة، لأنه قد يضر بأمن مصر القومي في وجود العديد من التفسيرات!

المادة 59 والمادة 60:

لابد من تحديد نسبة من الناتج القومي للصرف علي أوجه البحث العلمي، بحيث لا تقل عن 3%. ونسبة من الناتج القومي للتعليم لا تقل عن 7%. وهذا إذا كنا نريد التطور بحق. كما يجب تحصيل نسبة من إيرادات الشركات والمؤسسات، تخصص للبحث العلمي الداعم للصناعة بمفهومها الواسع، لتوفير حلول مبتكرة للتحديات التي تقابلها.

“وتلتزم الجامعات بتدريس القيم والأخلاق اللازمة للتخصصات العلمية المختلفة.” ما هذا؟ مزيد من اقحام الأخلاق والقيم وليس ممارستها!

المادة 61:

الكلام عن محو الأمية عام وغير مجدي، لأن مشكلة محو الأمية مشكلة اقتصادية في المقام الأول. علينا إيجاد مصادر دخل للأسر البسيطة، ونعمل نظام موازي لمحو الأمية مرتبط بالصناعات والحرف التي يقوم بها المتسربين من التعليم، لتحقيق فائدة حقيقية.

المادة 62:

“وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحى وفق نظام عادل عالى الجودة”. يجب إضافة طبقاً للمعايير التي تحددها منظمة الصحة العالمية. المرجعية يا قوم يرحمكم الله.

المادة 63:

“ولا يجوز فرض أى عمل جبراً إلا بمقتضى قانون.” مرفوض مرفوض، ففي حالات الغيبوبة من الممكن صدور قانون للسخرة مثلاً أو قانون لحيازة العبيد والجواري. نحن في نهاية عام 2012 وليس عام 0012. يرحمكم الله.

المادة 73:

“تلتزم الدولة برعاية ذوى الإعاقة صحيا واقتصاديًا واجتماعيا … الخ” آسف … علي الدولة أن تتكفل برعاية ذوي الإعاقة وليس تلتزم.

المواد 82-130:

كلام كثير وليس له محل من الإعراب في الدستور. يجب وضع المحددات الرئيسية للمجالس النيابية فقط وترك الباقي للقانون المنظم لذلك. وفي هذا السياق، فأنني أري أن من شروط الترشح لتلك المجالس هو الحصول علي شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، بل أقول شهادة جامعية عالية، وليس التعليم الأساسي ولا شهادة محو الأمية. كفانا جهلة يشرعون لنا. وكذلك عدم تعيين أي عضو في أي مجلس نيابي من قبل أي جهة، كفانا هراءاً. ولا أري لمجلس الشوري أي فائدة غير أنه استبن!

المادة 131:

لا تنتقل سلطة التشريع في حالة غياب المجلسين إلا للمحكمة الدستورية العليا بشروط يحددها الدستور أو القانون، حتي لا نكرر المأساة التي تعيشها مصر الآن.

المادة 137:

“ويكون أداء اليمين أمام مجلس الشورى عند حل مجلس النواب.” وتضاف وأمام المحكمة الدستورية العليا في حالة غياب المجلسين.

المادة 146:

موافقة مجلس النواب علي الحرب بأغلبية ثلثي الأعضاء علي الأقل، وليس أغلبية بسيطة.

المادة 148:

نفس الشئ فيما يخص إعلان حالة الطؤاري، يجب موافقة ثلثي الأعضاء بحد أدني علي هذا.

المادة 176:

طريقة تشكيل المحكمة الدستورية العليا مبهم وغير مريح.

المادة 198:

هل القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة؟ ما هذا الهراء؟ القضاء العسكري جزء من القوات المسلحة وتختص فقط بمحاكمة العسكريين وطبقاً للقانون المنظم لذلك. هذه المادة مرفوضة بالكامل.

المادة 202:

“يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. ولا يعزلون إلا بموافقة أغلبية أعضاء المجلس، ويُحظر عليهم ما يحظر على الوزارء.” آسف … يعين رئيس الجمهورية رؤساء تلك الجهات بعد موافقة أغلبية مجلس الشوري (الاستبن). هذا هراء!

المادة 205:

تحديد الجهات التي يراجعها الجهاز المركزي للمحاسبات واجبة في الدستور، بما في ذلك مؤسسة الرئاسة. لا رجعة عن التقدم للأمام وليس الخلف.

المادة 210:

الإشراف علي الانتخابات للقضاة فقط وليس لمدة 10 سنوات فقط. آسف جداً، وما دون ذلك مرفوض.

المادة 215:

مرفوضة كاملة، لأن ما فيها يسمح بتكميم الأفواه والحجر علي الحريات تحت مسميات غير محددة وهلامية وغير قابلة للتعريف الدقيق، مثل التزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على اللغة العربية، ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة.

المادة 219:

مرفوضة كاملة، لأنها ترسخ مفهوم المرجعية الدينية وتستند إلي هو غير محدد بل ومختلف عليه بين الناس. فمذاهب أهل السنة والجماعة يا سادة هي مفاهيم وتفاسير بشرية مرتبطة بواقع اجتماعي وحضاري كان سائداً في حينه، وليس منزل من الله العزيز الحكيم. وهنا يحضرني مقولة إبن النفيس السابق ذكرها.

المادة 226:

مرفوضة. دستور جديد = رئيس جديد = حكومة جديدة = مجالس نيابية جديدة. نقطة ومن أول السطر، إذا كنا نريد مصر جديدة ولا أيه؟

المادة 227:

تسأول … هل رئيس الجمهورية له سن تقاعد؟

المادة 231:

“تكون الانتخابات التشريعية التالية لإقرار الدستور بواقع ثلثى المقاعد لنظام القائمة، والثلث للنظام الفردى، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح فى كل منهما.”

ده تفصيل ومرفوض. الأحزاب لها القوائم ويحظر عليها الترشح في النظام الفردي وكذلك المستقلين لا يجب عليهم الترشح علي القوائم. و”المستقل” هو الذي لا ينتمي إلي أي حزب خلال العامين السابقين علي ترشحه.

ملاحظات أخيرة:

مسودة الدستور التي بين أيدينا الآن، بها الكثير من العوار لأسباب أري أنها: ناجمة عن إنعدام وجود رؤية لشكل مصر الحديثة في القرن الواحد والعشرين، وغياب لقيادة حقيقية في مصر علي مستوي الحدث الذي تمر به البلاد، وتغليب المصلحة الضيقة والقريبة علي مصلحة الوطن، ووجود العديد من أصحاب الصوت العالي، وتهميش ونسيان لدور العديد من فئات المجتمع مثل المرأة والأقباط، واختلاط الأفكار الايديولوجية بالسياسية، وعدم وجود العديد من أصحاب العقل والحكمة والخبرة في اللجنة التأسيسة للدستور.

الدستور يا سادة يضعه الحالمون وأصحاب الرؤية، وهؤلاء لم نراهم في اللجنة المبجلة، ولهذا أرفض هذه المسودة التي أراها خطوة جيدة وإن لم تكن كافية، فالطريق مازال طويلاً لعمل دستور يليق بمصر التي تم نسيانها.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

تالين .. المدينة الساحرة .. مدينة العصور الوسطى .. الرقمية

صورة

على هامش مشاركتي بالمنتدى الدولي الرابع لريادة الأعمال والإبداع التكنولوجي بالعاصمة الفنلندية – هلسنكي، في أواخر مايو 2011، والذي نظمه البنك الدولي بالتعاون مع الحكومة الفنلندية، قمت بزيارة العاصمة الاستونية “تالين”، وهذ للوقوف على التجربة الاستونية الرقمية، والذي أشاد بها العالم كله.

وقبل سردي لرحلتي إلى تالين، أود أن أعلم القارئ بمجموعة من الحقائق عن هذه الدولة الفريدة وعاصمتها الخلابة. فقد استعادت استونيا استقلالها من الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وانضمت بعدها إلى الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، واتفاقية الشنجن، وكذلك منظمة التعاون و التنمية. ويبلغ تعداد استونيا ما يقارب 1.3 مليون نسمة، يقطن منهم حوالي 400 ألف نسمة في العاصمة تالين. ويوجد باستونيا 10 جامعات، وأكثر من 24 معهد عالي للتكنولوجيا. وأكثر من 75% من سكان استونيا من مستخدمي الانترنت، وكما يستخدم أكثر من 88% من السكان خدمات الانترنت البنكي، في حين تبلغ نسبة استخدام التليفون المحمول أكثر من 122%. ويوجد بالدولة أكثر من 1000 نقطة استخدام للانترنت (مجاناً)، نعم مجاناً، لا داعي للاستغراب، فالحكومة هناك تعمل علي جعل الانترنت مثل الماء والكهرباء للمواطن الاستوني، وبل تعتبر أن ذلك حق دستوري للمواطن هناك. ويستخدم كذلك أكثر من 80% من الاستونين خدمات التوقيع الالكتروني. وتعتبر استونيا أكبر دولة في أوروبا في استخدامات “بطاقة المواطن الذكية”، والذي بدأ العمل بها منذ عام 1997.

وبدأت الرحلة وانطلقنا مع مجموعة من الزملاء في تمام الساعة السابعة صباحاً من هلسنكي، التي تبعد حوالي 80 كيلومتر عن تالين، بواسطة عبارة كبيرة تحمل أكثر من 600 شخص، أغلبهم من الفنلنديين الذين يتسوقوا في تالين، لرخص أسعارها النسبية عن هلسنكي.

كل شئ بديع وشديد التنظيم في الدخول للعبارة والجلوس في المكان المخصص لك. قررت أن اطلع إلى سطح العبارة لرؤية منظر البحر البديع. ولعمل ذلك اضطررت إلى ارتداء البالطو، وكذلك كوفيه، وكذلك غطاء للرأس. فالجو كان بارداً جداً! وحين دخلت إلى سطح المركب راعني المنظر الخلاب للبحر والجزر الصغيرة به. وطرأ في بالي فكرة هي أنه من الواضح أن البحر هنا في الشتاء سيكون ناصع البياض، لأنه سيكون متجمداً، وذلك لسبب بسيط وهو أن درجة الحرارة تكون تحت الصفر بكثير في هذا البلاد الشمالية. ولكنني قلت لنفسي طبعاً لديهم تقنيات وأساليب لحل هذه المعضلة، وخاصة أن البحر هو وسيلة السفر الرئيسية بين تلك البلدان. وقبل أن أتعمق في التفكير رأيت سفن بيضاء عملاقة مصمتة تماماً. المنظر غريب! ماذا تفعل هذه السفن؟ وعلى الفور قمت بسؤال أحد رباني العبارة، الذي قال لي: هذه السفن كاسحة للجليد وتعمل طوال الشتاء على فتح ممرات للسفن في هذا البحر المتجمد شتاءً. وحينئذً زالت حيرتي. يبدو أني مازلت قروي ساذج!

وعند رسونا على الشاطئ، وجدنا الحافلات الخاصة بنا في الانتظار. كل شئ مرتب وجميل! وأثناء سيرنا في شوارع مدينة تالين للوصول إلى أول محطة من محطات الزيارة، رأيت مناظر طبيعية بديعة، وكذلك مباني أكثر إبداعا، أغلبها من طراز العصور الوسطى. شئ لا يمكن أن يوصف! ومن ثم وصلنا إلى أول محطة في الزيارة، وكانت مركز الحاضنات التكنولوجية، وهناك تعرفنا على العديد من الشركات الصغيرة التي يتم احتضانها لتطوير تقنيات عالية ومفيدة للمجتمع في نفس الوقت. فرأينا الشركات التي تعمل في التقنيات الخاصة بمعالجة الأمراض المستعصية مثل السرطان، والشركات العاملة في تقنيات حماية ومراقبة الحدود ضد المتسللين وتهريب الأسلحة والمخدرات، والشركات العاملة في مجال تطوير الخدمات العامة مثل التصويت الالكتروني والبوليس الالكتروني وغيرها، والشركات العاملة في تطوير نظم الاتصالات البحرية باستخدام تقنيات الانترنت. حقيقي كانوا شباب يفرح القلب الحزين، وكم أتمنى أن تكون شركات بلدي بهذا التفتح والإبداع والقدرة على البحث عما هو حديث وجديد ونافع أيضاً!

ومن زيارة إلى زيارة حتى وصلنا إلى مبنى البلدية الأثري في وسط العاصمة والمشيد علي الطراز القوطي. وعلي بوابة المبنى الجميل  كان يقف على بابه في شرف استقبالنا حارساً بزيه التقليدي المزركش، وكان نائبه العمدة على رأس المستقبلين داخل القاعة التاريخية الرئيسية والتي قامت باستعراض الخطوات التي قامت بها بلدها “استونيا” لتكون من مصاف الدول المتقدمة تكنولوجياً واقتصادياً بعد أن كانت واحدة من أفقر دول الاتحاد السوفيتي السابق. فالتصنيف الائتماني لاستونيا يتراوح بين “A” و “A1”. وتم استهراض كيف كانت استونيا نقطة من نقاط التجارة الهامة بين شمال وشرق أوروبا على مدار ثمانين قرون من الزمان، وكذلك بين شرق وغرب أوروبا. وتوجد بالدولة خمس مواني عالمية كبرى وثلاثة مناطق حرة، وأن تصنيف استونيا أصبح الثالث عالمياً من حيث سهولة التجارة عبر الحدود. وبلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر قمته عام 2005، حيث بلغ حوالي 2.5 مليار يورو. وتبلغ الضرائب على أرباح الشركات “صفر” بالمائة، نعم صفر بالمائة في حالة إعادة استثمارها بالشركات.

وتعتبر استونيا أول دولة في العالم تقدم خدمات التصويت للمواطنين في الانتخابات البلدية والعامة وانتخابات البرلمان الأوروبي من خلال الانترنت منذ عام 2005. ولكن كانت لدى ملاحظة في هذا الشأن، فنسبة الناخبين علي الانترنت في استونيا لا تتعدى 25% فقط، على الرغم من الانتشار الواسع لخدمات الحكومة والخدمات البنكية الالكترونية في البلاد. ولكن الاجابة على هذا السؤال بسيطة جداً، فيوم الانتخابات هو يوم “عيد” للأسر في استونيا، حيث تقوم العائلة بكل أفرادها بارتداء أجمل وازهي ملابسها والذهاب للصناديق للإدلاء بالأصوات، في احتفالية جميلة جداً. يبدو أن كل شئ هناك جميل بالفطرة. وانتشار الخدمات الالكترونية العامة ترجع إلي عام 2000 في شكل مشروع الحكومة الالكترونية، الذي تلاه مشروع الضرائب الالكتروني في ربيع عام 2001، وقبله كان مشروع التوقيع الالكتروني في آواخر 2000، وكذلك مشروع الفواتير الالكترونية في  يوليو 2000. والجدير بالذكر أن نسبة التعاملات الالكترونية تبلغ 98% من المعاملات، ونسبة التعاملات البنكية الالكترونية وصلت إلى 109% . والأكثر من ذلك أن رسوم انتظار السيارات تدفع من خلال الهاتف المحمول … يا سلام يا ولداه … وفي عام 2007 قامت الدولة بتفعيل مشروع البطاقة الموبايل M-ID ونظام البوليس الالكتروني . وفي عام 2008 تم طرح خدمات الصحة الالكترونية، وخلال عامين بعد ذلك قاموا بتدشين نظام الروشتة الطبية الالكترونية. ولكنهم لن يتوقفوا عند هذا الحد، ففي خلال الأعوام القليلة التالية سوف يطرحوا للمواطن عدد كبير من المشروعات الالكترونية، ومنها الإيصال الرقمي، وخدمات العبور بين الحدود رقمياً، واستخدام بطاقة الرقم القومي كبطاقة للسحب من حسابات البنوك وكبطاقة تجميع مزايا الاستخدام. والأكثر من ذلك أنهم يعملوا بكد ليصلوا بسرعة الانترنت إلى 100 ميجابايت لكل منزل! أظن أن اجمد بيت في مصر عنده 8 ميجا بايت (مش كدة !!) والأكثر طرافة أن عنوان المراسلات الرسمي للمواطن سيكون عنوان البريد الالكتروني الخاص به، وعنها سيقوم محضر المحكمة الاستوني بإرسال إعلام القضية إلى السيد جونز على العنوان التالي: Johns@estonia.ee مش 56 شارع روسيا … كلام جميل ماقدرش أقول حاجه عنه!

وبعد انتهاء الاستقبال الرسمي قامت نائبة عمدة العاصمة بعمل عزومة لنا على العشاء في القاعة الأثرية التي لا تفتح إلى ملوك ورؤساء الدول، ونحن كمان! فلقد فتحت هذه القاعة من قبل لصاحبة الجلالة ملكة بريطانيا العظمي والإمبراطور الياباني. والله الواحد كان سعيداً جداً بهذا الشرف.

وانتهت الزيارات الرسمية، وكان لدينا ساعتين من التجوال الحر، فقمنا بالتجول في أنحاء وسط العاصمة “تالين” وكانت صدمتي الكبرى فهذا الجزء من المدينة كالحلم! المباني جميلة الطراز وقديمه ويرجع أغلبها إلى القرن الثالث عشر. والغريب ان الناس هناك مازالوا يستعملوا تلك المباني حتى الآن. وهذا ما جعل هذه المدينة على قائمة المدن الأثرية لمنظمة اليونسكو، وفي نفس الوقت هي مدينة من أكبر المدن رقمنة في العالم. مزيج فريد من نوعه! وأثناء تجوالي بوسط العاصمة، تالين، تخيلت أنني أحلم، أو أنني اتجول داخل يونيفرسال ستوديوز في بالولايات المتحدة، أو مدينة دينزني للألعاب. ما أبدع وأنظف (وأكرر أنظف) المباني والطرقات الحجرية، وما أجمل الزهور التي على جوانب الطريق أو في شرفات البيوت أو على المقاهي والمطاعم. كل شئ جميل وبديع! لقد كررت هذا الجملة كثيراً خلال الساعات القليلة التي قضيتها بهذه المدينة الساحرة “مدينة العصور الوسطى الرقمية”.

وفي نهاية الرحلة تحرك العبارة مرة أخرى عائدة بنا إلى هلسنكي العاصمة الفنلدية وحاملة معها ذكريات لن تنسى عن هذه التحفة الفنية والرقمية التي أسمها “تالين”!

وطرأ في خاطري أنه حقاً كبر وصغر البلدان لا يتحدد بكثرة أو قلة سكانها، أو كبر وصغر مساحاتها، بل على أساس جودة “العقول” الموجودة بها، وعلى الرؤية الواضحة لدي متخذي القرار بها، وإيضاً علي عملهم الدؤوب لرفع مستوى معيشة شعوبهم وتقدمهم والوصول بهم إلى النجاح والرقي.

منظومة القيم في بلاد الكفار … والفرق بين عبد الرحمن وكارينا!

صورةشاءت الأقدار أن أسافر إلي بلدان من بلاد الكفار وهما هونج كونج والصين في ابريل 2012. وهذه أول مرة أسافر فيها للشرق الأقصي، لأن أغلب سفرياتي كانت للغرب (أمريكا وأوروبا). وكنت أسمع كثيراً عن ثفاقة شعوب الشرق البعيد ولكنني لم يسعدني الحظ للوقوف علي ثقافة هذا الجزء من العالم عن قرب. ولكن شاء الله أن أقوم بزيارة تلك البلدان لأري نموذجاً فردياً من التطور والتقدم.

فلقد وقعت هونج كونج تحت الاستعمار البريطاني بعد حرب الأفيون الأولي (1839-1842) وحتي استعادة الصين لها عام 1997، لتصبح منطقة ذات طابع خاص Special Agreement Region. وهونج كونج بلد فريد، فهي مجموعة من الجزر الجبلية، محدودة أو عديمة الموارد في الحقيقة، ولكن الشعب هناك كان له رأي أخر. فعلي الرغم من الطبيعة القاسية، قامت تلك الدولة المتناهية الصغر بشق الجبال ورصف الطرق السريعة وعمل الأنفاق والكباري المعلقة وإنشاء شبكة مواصلات عامة تشمل علي أكثر من 10 خطوط مترو أنفاق (تعمل بالكهرباء وبدون سائق) والباصات المكيفة وقطار سريع للمطار وقطار سريع للربط مع الوطن الأم (الصين). وكل شئ يعمل بالثانية والدقيقة. شئ بديع حقيقي. فهذه الشبكة لا تقل عن أي شبكة مواصلات في أكبر العواصم العالمية من حيث الجودة والتنظيم.

وكون إدارة البشر تصنع المستحيل، ففي هذه الجزيرة الصغيرة أكثر من 6500 ناطحة سحاب لاستيعاب أكثر من 6.5 مليون نسمة. ومن الممكن أن تتخيلوا أن الزحام هناك غير مطاق، ولكن هذا ليس حقيقة، فالمرور شديد الانسابية. تدرون لماذا لأنهم متلزمون وجادون ومحترمون، علي عكس شعوب كثيرة، أولهم شعوب منطقتنا الرائعة! وهناك لا أحد فوق النظام، الباص الخاص بالفندق كان يتحرك الساعة 8.28 وليس الساعة 8.27 ولا الساعة 8.29. والله هذا حقيقي، وحتي لو كان هناك راكب واحد. منتهي الانضباط والجدية وبالتالي منتهي التقدم والرفاهية. عمل وعمل وعمل وجدية وجدية وجدية واخلاق واخلاق واخلاق!

وهونج كونج بها أكثر من 4 جوامع رئيسية لإقامة شعائر المسلمين (حوالي 50 ألف مسلم) بالإضافة إلي الكنائس المسيحية (لخدمة حوالي 500 ألف مسيحي) والمعابد اليهودية وبالطبع المعابد البوذية. وفي المعرض التكنولوجي الذي زرته كان هناك مسجداً للصلاة إيضاٌ! يا تري في بلادنا الجميلة نطبق هذا ونقبل الأخر، كما أمرنا الله عز وجل في كتابة العزيز (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). بالطبع لا!

والآن أقول لكم من هو عبد الرحمن ومن هي كارينا. عبد الرحمن شاب مصري متزوج من صينية ليحصل علي إقامة هناك، وعنده مطعم يقدم فيه الأكل الحلال. المطعم في بناية رثة أسفلها محل للتدليك (مشبوه) وبجانبه فندق (آسف شقة) مشبوهه جداً. الحقيقي أن عبد الرحمن ليس لديه مطعم ولكن شقة في هذه البناية عاملها مطعم. المطعم رث وطاولته رثة ورائحة المكان غير لطيفة علي الإطلاق! المهم عبد الرحمن ليس لديه ترخيص مطعم ولا يدفع ضرائب ولا أي شئ. الجميل أن عبد الرحمن قام بإنزال العديد من الأكلات (مشويات وبطاطس محمرة ومسقعة وسلاطات وعيش وخلافه). الأكل كثير وفوق طاقتنا وفاض منه الكثير والكثير. المهم دفعنا 280 دولار هونج كونج لكل فرد (حوالي 280 جنيه مصري). وذهبنا من هناك والمعدة تمام والجيب خالي.

وفي اليوم التالي، أشار علينا أحد الأصدقاء أن نذهب للغذاء في مطعم عائم شهير هناك أسمه Jumbo Kingdom، تم تصوير أهم الأفلام العالمية فيه مثل أفلام جميس بوند. ويقع المطعم في منطقة ابردين السياحية والفخمة، حيث يسكن أغني الناس هناك. المطعم رائع الشكل وفخم الديكورات والسياح بالمئات! وكانت في استقبالنا فتاة صينية رقيقة لا يتعدي عمرها 20 عاماً بالملابس الصينية التقليدية وعلي وجهها ابتسامة، وقادتنا للجلوس علي طاولة نري منها الميناء. المنظر رائع وبديع. علي مرمي البصر ناطحات السحاب والمراكب الصينية التقليدية. وناولتنا كارينا قائمة الطعام، وكانت المفاجاة الكبري. فالقائمة بدون أسعار!!! هذا معناه أن الواحد سيدفع دم قلبه في وجبة الغذاء. يال الهول! وبدأنا نسألها عن كل بند والسعر الخاص بها، وهي ترد بمنتهي الأدب والسماحة. وأخيراً وجدنا ضالتنا … طبق جمبري بسعر 480 دولار هونج كونج وطبق أرز بسعر 120 دولار هونج كونج. ومن ثم طلبنا كل واحد طبق جمبري وطبق أرز. وكلنا ثلاثة. وهنا تغيرت ملامحها وقالت هل أنتم متأكدون؟ … قلنا نعم ما المانع! هل هناك مشكلة؟ قالت نعم. فأنتم الثلاثة يكفيكم طبق (واحد) جمبري وطبق (واحد) أرز وليس ثلاثة! وإن كنتم ترغبون فمن الممكن إضافة طبق (واحد) من السبيط المقلي. وهذا يكفي جداً. ساد الوجوم وجوهنا. وتسألنا بينا اليس من مصلحتها ومصحلة المطعم زيادة الفاتورة؟ بالطبع نعم ولكن الأهم أن تحافظ علي مصداقيتها ومصداقية المكان. وتم الانصياع لنصحية (كارينا) وجاء الشيف بالقفاز الأبيض لعمل الأكل الفاخر والشهئ أمامنا وجاءت هي بالفوط الساخنة والبادرة لمسح أيدنيا وأوجههنا، وبعد ذلك جاءت المقبلات الصينية الشهية والشاي الأخصر وشاي الياسمين. كل شئ رائع مرة أخري. وأخيراً دفعنا كل واحد 200 دولار هونج كونج أي حوالي ثلثان ما دفعناه عند (عبد الرحمن) في الشقة … آسف المطعم.

هم يطبقون منظومة القيم في كل شئ في حياتهم وبالتالي يحصدون تقدم ورفاهية … ونحن نتحدث فقط عن منظومة القيم ولا نطبقها وبالتالي نحصد تخلف وفقر وغزوة الصناديق ونعم للاستقرار.

لله الأمر من قبل ومن بعد!